شهدت صناعة التطوير والبرمجة في السنوات القليلة الماضية ثورة حقيقية مع ظهور الذكاء الاصطناعي المتقدم، إذ أصبحت أدوات مثل GitHub Copilot وCursor وChatGPT قادرة على كتابة أكواد برمجية معقدة خلال ثوانٍ قليلة، وحل مشكلات برمجية كانت تستغرق ساعات طويلة من البحث في المنتديات والتفكير والتجريب.
وبينما نشهد هذه القفزة المذهلة، يطرح سؤال ملح نفسه: مع هذه القدرات، هل أصبح تعلم البرمجة للعمل في تطوير ووردبريس أو تطبيقات الويب مضيعة للوقت؟ بناء على تجربتي كمطور ووردبريس وتطبيقات ويب، فإن الإجابة ليست بسيطة، بل تكشف عن تحول عميق في طبيعة عمل المطورين، وسأحاول في هذا المقال كشف وتوضيح هذا التحول بناء على تجربتي.
كيف يساعد الذكاء الاصطناعي في تطوير ووردبريس؟
قبل أن نتعرف على التحديات التي واجهتها أثناء العمل على استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) في التطوير، لا بد أن أوضح ما يمكن لـ AI أن يساعد به في مجال تطوير ووردبريس أو تطوير الويب بشكل عام، فهو يعمل كمساعد قوي جدًا يعزز الإنتاجية بشكل كبير من خلال:
- كتابة الأكواد بسرعة كبيرة: يمكنك أن تطلب من الذكاء الاصطناعي أن يكتب لك دالة PHP لإضافة ميزة إلى ووردبريس، أو إنشاء إضافة كاملة بسيطة، أو حتى إنشاء البنية والأكواد الأساسية لإضافة معقدة، وسيوفر الكود خلال لحظات.

- شرح الأكواد المعقدة: إذا كنت تعمل على تعديل إضافة أو قالب ووردبريس أو تطبيق ويب، ولم تفهم وظيفة جزء معين من الكود، يمكنك أن تسأل الذكاء الاصطناعي عن الأمر، وسيعطيك شرحًا مبسطًا. كما يمكن استخدام هذه الميزة للتعلم.

- اقتراح الحلول البرمجية والمكتبات: عندما تواجه مشكلة معينة، يمكنك أن تسأل الذكاء الاصطناعي عن حل لها، حيث يمكن أن يساعدك باقتراح مكتبات توفر لك ما تريد أو يقدم لك استراتيجية كاملة أو طرقًا مختلفة لحل المشكلة.

لكن الاعتماد الكلي على مساعدة الذكاء الاصطناعي دون أن يكون لديك فهم أساسي لمجال البرمجة والتطوير الذي تعمل به، يمكن أن يكون خطيرًا أمنيًا، ويتسبب بمشاكل في الأداء، ويعيق تطوير منتجك في المستقبل.
ما هي التحديات التي واجهتها أثناء استخدام الذكاء الاصطناعي للتطوير؟
لقد استخدمت الذكاء الاصطناعي لفترة طويلة لمساعدتي على تطوير إضافات ووردبريس وتطبيقات ويب ومن أجل كتابة أكواد برمجية مستقلة، وبغض النظر عن نموذج AI الذي أستخدمه، كنت دائمًا أواجه هذه التحديات:
أكواد غير آمنة تمامًا
في كافة الإضافات وتطبيقات الويب التي طورها الذكاء الاصطناعي كانت هناك مشاكل في الأمان، وما كنت لأكتشفها دون عرض المنتج على خبير في الأمن السيبراني وخبرتي في البرمجة والتطوير.
فمرة طلبت من AI تطوير أداة للدردشة مع الذكاء الاصطناعي لكي أضيفها إلى موقع ووردبريس، فقدم لي كود الأداة جاهزًا دون كتابة أي شيء بنفسي، لكن بعد أن عرضت الأداة على أحد خبراء الأمن السيبراني، تبين وجود مشاكل عديدة في أمان الأداة منها:
- عدم حماية المتغيرات بشكل كافي، حيث استُخدمت تقنيات قديمة لا تحمي من كل الهجمات، مثل دالة htmlspecialchars.
- وجود جداول غير مستخدمة في قاعدة البيانات، فهذا يؤثر على الأمان لأنه يزيد من مساحة الهجوم.
- عدم حماية الملف الذي يخزن معرف الجهاز، وإتاحة إمكانية الوصول إليه بواسطة أي شخص.
بالإضافة إلى العديد من المشاكل الأمنية التي لم يكن بالإمكان كشفها دون أن يراجع التطبيق خبير في البرمجة.
مشكلات في الأداء والكفاءة
بناء على تجاربي في التطوير باستخدام الذكاء الاصطناعي، لاحظت أن AI لا يتبع دائمًا أفضل طريقة من حيث الأداء من تلقاء نفسه، بل يجب توجيهه وشرح الطريقة التي يجب أن يتبعها للحصول على أفضل أداء، وفعل ذلك يتطلب خبرة جيدة في البرمجة.
فعندما طلبت من الذكاء الاصطناعي تطوير إضافة ووردبريس تسمح للمستخدم برفع كتاب ليتحدث مع الذكاء الاصطناعي حوله ويناقشه به، لاحظت أن طريقة إرسال الكتاب إلى الذكاء الاصطناعي كانت بدائية جدًا ومكلفة للغاية.
الإضافة التي طورها AI كانت ترسل الكتاب كاملًا إلى نموذج AI مع كل سؤال أو طلب من المستخدم، الأمر الذي يتسبب ببطء في تلقي الإجابة وبتكلفة عالية نتيجة إرسال كمية كبيرة من البيانات.
ومن المؤكد أن أي مبرمج خبير يعرف أن هذه ليست الطريقة الصحيحة سواء للأداء أو التكلفة، بل توجد طريقة أخرى أفضل بكثير، وهي استخدام ما يسمى بالتضمين، أي إرسال الأجزاء المرتبطة بالسؤال من الكتاب فقط، حيث يتم بناء فهرس متقدم بواسطة نماذج ذكاء اصطناعي مخصصة مثل embedding-001 من جوجل.
ضعف في التخطيط طويل الأمد
في أحد المشاريع التي عملت عليها، استخدمت الذكاء الاصطناعي لبناء مساعد ذكي يمكن إضافته إلى مواقع ووردبريس، فحدد الذكاء الاصطناعي اللغة الأنسب للبرمجة وهي PHP للواجهة الخلفية وجافاسكريبت للواجهة الأمامية، نظرًا لأن الأداة يجب أن تكون متوافقة مع ووردبريس.
لكن عندما طلب أحد العملاء تعديل المشروع ليدعم إمكانية إجراء مكالمة صوتية لم أتمكن من فعل ذلك في المشروع القائم دون إجراء تعديلات كبيرة عليه، إذ تطلب دعم المكالمات الصوتية في الأداة تقنيات لا تدعمها PHP مثل البث المباشر للصوت والنص، فهذه أمور مدعومة بشكل جيد في بايثون وكان من الأفضل بناء الواجهة الخلفية باستخدام تلك اللغة بدلًا من PHP.
وبالتالي فإن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعدك في تنفيذ ما تريد الآن، لكنه لا يمتلك القدرة على التفكير في رؤية المنتج المستقبلة أو قابلية التوسع، وهذا أمر لا يتوافق على الإطلاق مع صفات المطور الخبير الذي يجب أن يضع الأساس الصحيح الذي يسمح بالتطور والنمو دون الحاجة إلى إعادة البدء من جديد مستقبلًا.
إذًا، هل لا يزال تعلم البرمجة ضروريًا؟
الإجابة المختصرة هي: نعم، تعلم البرمجة لا يزال ضروريًا وسيبقى كذلك لوقت طويل.
إن تعلم البرمجة للعمل في تطوير ووردبريس أو تطبيقات الويب والمواقع الإلكترونية أو حتى تطبيقات الجوال لا يزال مهمًا، وذلك لأنه لا يمكن إلا لمبرمج أن يستخدم الذكاء الاصطناعي لتطوير إضافة أو قالب أو موقع أو تطبيق. الأمر أشبه بالطيار الآلي، فلا يمكن لشخص أن يوجه الطيار الآلي ليطير بالطائرة إلا إذا كان طيارًا.
لكن مع ذلك، لم تعد البرمجة كما كانت قبل ثورة الذكاء الاصطناعي، فأدوات التطوير باستخدام AI أثرت كثيرًا على طبيعة عمل المطور وحولته من كاتب كود إلى مهندس حلول، ومن مطبق إلى مشرف وموجِّه، فلم يعد دور المبرمج الأساسي هو كتابة سطور الأكواد، بل أصبح تصميم بنية التطبيق الكاملة، واختيار التقنيات المناسبة، والتأكد أن الكود فعال وآمن وقابل للتطوير هو المهمة الأساسية التي يقوم بها.
كيف تتعلم البرمجة بسرعة؟
توجد مسارات عديدة توجهك لتعلم البرمجة، لكن تلك المسارات تختلف كثيرًا عن بعضها من حيث الطول وأيضًا من حيث الاحترافية التي ستصل إليها كمبرمج، وأفضل مسار هو اتباع مسار تعليمي منظم ويركز على التطبيق العملي.
وهنا تبرز دورات أكاديمية حسوب التي تعد من أفضل الدورات لتعلم البرمجة بالطريقة الصحيحة والمسار الأسرع، حيث توفر الأكاديمية دورات تُحدَّث باستمرار وتدرِّس أحدث التقنيات وباللغة العربية، ويمكنك اختيار الدورة التي تناسبك:
- دورة تطوير واجهات المستخدم: تعد نقطة بداية ممتازة لأي مطور ويب ووودربريس، وتعلمك دروسها كيفية تطوير الواجهات الأمامية التي يراها المستخدم عبر استخدام HTML و CSS و JavaScript.

- دورة تطوير تطبيقات الويب باستخدام لغة PHP: من أهم الدورات لتعلم تطوير ووردبريس، حيث تعلمك لغة PHP التي بني عليها ووردبريس، ويوجد مسار متخصص ضمن الدورة لتطوير قوالب ووردبريس.

- دورة تطوير التطبيقات باستخدام لغة JavaScript: تعلمك هذه الدورة كيف تستخدم لغة JavaScript لتطوير تطبيقات ويب احترافية وعالية الأداء، وتتضمن شرحًا عمليًا للعديد من المشاريع الكاملة الشائعة.

- دورة تطوير التطبيقات باستخدام لغة Python: تتضمن هذه الدورة شرحًا للغة البرمجة الشهيرة Python، والتي تعد لغة البرمجة الأساسية لعمل تطبيقات ذكاء اصطناعي، وتدرِّس أطر عملها الشهيرة مثل Flask و Django.

الاستثمار في مسار تعليمي منظم كإحدى الدورات السابقة، سيمنحك أساسًا متينًا يمكنك من فهم الأكواد التي يولدها الذكاء الاصطناعي وتعديلها وتوجيهه لبناء مواقع وتطبيقات احترافية.
ختامًا، يمكنني القول إن الخوف من أن يحل الذكاء الاصطناعي مكان المطورين ليس في محله، فـ AI هو أداة، والأداة لا تلغي بل تساعد وتقوي، وبالتالي فإن المستقبل ليس للمبتدئ الذي يعتمد على AI كليًا دون فهم، وليس أيضًا للمطور الذي يرفض استخدامه، بل هو للمطور الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة قوية لتسريع وتيرة الإنجاز، لذلك إذا أردت أن تكون مطورًا محترفًا، تعلم البرمجة وافهم كيف تعمل، ثم استخدم الذكاء الاصطناعي لتصبح مطورًا أفضل وأسرع وأكثر قيمة من المطورين الآخرين.
اترك تعليقك